وفي مشهد مختلف تمامًا عن المشهد الذي كنا على دراية به قبل عامين فقط، يمكن أن يكون إنشاء علامة تجارية للأطعمة والمشروبات في عام 2022 تجربة شاقة تمامًا. فالخيارات لا حصر لها: هل يجب عليك الانطلاق بفكرة شاحنة طعام؟ أو ربما مطبخ افتراضي؟ أو ربما مطعم متخصص في الfusion cuisine؟
إن أغلب المطاعم لا تستطيع ببساطة بعد الآن توظيف حفنة من السائقين وشراء عدد من الدراجات البخارية وتوقع النجاح، فمع ظهور الإنترنت، وبخاصة تطبيقات توصيل الأطعمة، فقد تغيرت اللعبة إلى الأبد. حيث توفر تطبيقات التوصيل المتوفرة عبر الإنترنت - مثل: Careem NOW، ونوون للطعام، وزوماتو - فرصة لا مثيل لها لعرض شركتك للمطاعم مع إمكانية الوصول إلى قاعدة زبائن ضخمة، أكبر مما يمكن أن يصل إليه معظم هذه المطاعم عضويًا. أضف إلى ذلك الحلول المفاجئ لجائحة كوفيد 19 وأوامر حظر التجوال في أوائل عام 2020، حيث أصبحت معظم المطاعم نسيًا منسيًا.
ومع عدم وجود خيارات أخرى لدى معظم هذه العلامات التجارية، فقد لجأت إلى منصات التوصيل عبر الإنترنت لمحاولة الحفاظ على بعض الإيرادات. ولكن سرعان ما أدركت المطاعم أن شريان الحياة المفاجئ هذا قد جاء مرتبطًا بكثير من الشروط المتطلبة، سيما العمولات المرتفعة التي قامت هذه المنصات بفرضها وكانت تصل في بعض الأحيان إلى 35٪ عند احتساب رسوم التوصيل، مما قلل من هوامش الربح الضيقة بالفعل لهذه المطاعم التي كانت تعمل بطاقة محدودة جراء الجائحة. وبالإضافة إلى ذلك، فلم يكن لدى المطاعم إمكانية الوصول إلى بيانات المستهلك عند قيامها بالبيع عبر هذه المنصات، ولم يكن لديها الكثير من الفرص لتسويق علامتها التجارية لبناء علاقات الولاء والعملاء. وحتى لو غضضنا النظر عن الوباء - حيث أن الأمور قد بدأت أخيرًا بالعودة إلى الطبيعة (ولو بشكل نسبي) - فإن هذه الأزمة العالمية قد غيرت إلى الأبد من سلوك العملاء وتوقعاتهم ليس فقط في هذا الحقل وإنما في سائر الحقول الأخرى.
إذن فالسؤال هو: هل لا تزال العلامات التجارية للأغذية والمشروبات بحاجة إلى البيع عبر تطبيقات توصيل الأطعمة؟ ستكون الإجابة بالنسبة لمعظم العلامات التجارية هي: نعم ولكن أيضًا لا. حيث يجب عليك الاستمرار في البيع عبر تطبيقات التوصيل، ولكن لا يجب عليك ذلك أيضًا.
حيث ساءت الأمور
لقد حصلت الكثير من المشاحنات بين المطاعم وتطبيقات توصيل الأطعمة، خاصة في ذروة الوباء من أوائل إلى منتصف عام 2020. حيث شعرت العديد من المطاعم أن تطبيقات توصيل الطعام كانت (إذا أردنا تلطيف التعبير) غير مراعية لها، وذلك من خلال تمسكها برسوم العمولة المرتفعة، خاصة في وقت لم تعد فيه تلك المطاعم قادرة على تعويض الرسوم المذكورة بمبيعات أكثر ربحية تحصدها عندما تستقبل الزبائن داخل المطعم.
وقد قال السيد غوراف فارما، الرئيس التنفيذي لمجموعة مطاعم رويال أوركيد بأبوظبي، في حديث له مع الخليج تايمز خلال عام 2020: "لقد استغلت تطبيقات التوصيل الخارجية مالكي المطاعم مثلي من خلال فرض عمولات ضخمة وفرض خصومات إلزامية. وبالإضافة إلى ذلك، فقد برهنت أزمة كوفيد 19 عن أنهم لم يكونوا مهتمين بدعمنا بأي شكل من الأشكال".
كما صرح السيد أندريه غيرشيل، مستشار صناعة المواد الغذائية ومدير العمليات في Loud Table، وهي مجموعة استثمارية تعمل في مجال الضيافة بدول مجلس التعاون الخليجي، لصحيفة Rest of World بما يلي: "كانت هذه فرصة زمنية (لمنصات توصيل الطعام) لإظهار التضامن والكرم (مع المطاعم). ولكن لسوء الحظ، فإن العديد من كبار اللاعبين في هذه الصناعة (منصات توصيل الطعام) لم يقوموا بذلك حقًا."
وسرعان ما طفح الكيل في عام 2020، حينما أخذت المطاعم الساخطة في الإمارات العربية المتحدة هذا الأمر على عاتقها، حيث قامت مجموعة منها بتجميع مواردها لإطلاق GoFood، وهي منصة للتوصيل خاصة بها عبر الإنترنت وخالية من العمولات والخصومات غير الواقعية. وكل هذا يصب بشكل مباشر في نقاشنا الحالي بخصوص حسنات وسيئات الاستمرار في البيع عبر تطبيقات توصيل الأطعمة.
Are you ready? #GoFood pic.twitter.com/qyRPRwSfqI
— Go Food UAE (@GoFoodUAE) June 22, 2020
لقد تلقت هذه المنصات الكثير من الانتقادات كما ذكرنا، كما يسهل تصويرها على أنها هي الشرير في هذه القصة، ولكن في واقع الأمر فإن لديها أيضًا تكاليفًا يجب تغطيتها، حيث توفر تلك المنصات بالفعل درجة عالية من الوصول والقيمة للمطاعم. ولهذا السبب ينبغي عليك أن تستمر في البيع من خلالها. ومع ذلك، فإذا كنت لا تريد أن تكون تحت رحمتها بالكامل، فلديك بعض الخيارات.
المطاعم التي كانت وراء تطبيق GoFood كانت أيضًا على صواب في فكرتها هذه. حيث أنه لمواكبة للمنصات العاملة عبر الإنترنت والممولة جيدًا، فقد قامت تلك المطاعم بتجميع مواردها معًا وإنشاء قناة للتوزيع المباشر خاصة بها. ووفقًا للسيد عماد الفي، المستشار ونائب رئيس الإستراتيجية في منصة المطبخ السحابي كيتوبي، فإن هذا هو مفتاح النجاح في عالم الأعمال.
كما ذكر في مقال له على موقع (MENA bytes): "لقد أثبت مبدأ التوزيع بالاستعانة بالمصادر الخارجية أنه دائمًا ما يتسبب في الكوارث".
إذن، كيف يمكن لعلامتك التجارية الصغيرة والواعدة أن تستعيد السيطرة على قناة التوزيع الخاصة بها، كما قد تتساءل؟
بدائل تطبيقات التوصيل
إذا كانت ميزانيتك تسمح بذلك، فيمكنك إعداد موقع الويب أو التطبيق الخاص بك للبيع مباشرة إلى عملائك، فضلًا عن توفير موظفي التوصيل الخاصين بك وكافة البنى التحتية والقوى العاملة اللازمة. وقد تكون التكاليف الأولية مرتفعة، ولكن في المقابل، فستحصل على تحكم كامل في رحلة المستهلك، حيث تتمكن من جمع البيانات عن العملاء التي يمكنك استخدامها لتحسين عملك ومعروضاتك بشكل أكبر. كما يمكنك أيضًا تقديم خصومات واقعية بل وحتى مخصصة، بالإضافة إلى الحفاظ على قناة اتصال مباشرة مع عملائك، مما يسمح لك ببناء الولاء. وعلاوة على كل هذا، فيمكنك الاستفادة بشكل أفضل من جهودك التسويقية، مع ضمان خدمة توصيل أسرع حيث أن السائقين لن يكونوا مطالبين بالاهتمام إلا بطلبات مطعم واحد فقط: مطعمك.
ولكن قد يكون هذا الخيار بعيدًا عن متناول شركتك. إذن، فما هي الخيارات الأخرى التي لديك؟ في الواقع، أنت محظوظ. لقد تقدمت بعض شركات التكنولوجيا للمساعدة في حل معضلة تطبيقات توصيل الطعام. فالشركات مثل الشركة الناشئة Chatfood العاملة في مجال تكنولوجيا الغذاء بالإمارات العربية المتحدة، قد بدأت بعملية "إعادة زمام الأمور" إلى العلامات التجارية للأطعمة والمشروبات. حيث تقوم هذه الشركة - التي تقدم البرمجيات كخدمة - بذلك من خلال السماح للعلامات التجارية بتحقيق الدخل من قنوات التواصل الاجتماعي ومواقع الويب الخاصة بها، مما يمنح العملاء طريقة جديدة للطلب من مطاعمهم المفضلة، مع توفير عروض خاصة وبرامج ولاء. وإن أفضل شيء في هذه الخدمة هو أنه لا توجد عمولات أو رسوم خفية، فالمطاعم تدفع فقط مقابل اشتراك شهري.
هناك خيار آخر، لكنه ليس لضعاف القلوب، ألا وهو: التخلي تمامًا عن التوصيل. فالآن وقد تم رفع معظم القيود المتعلقة بالوباء، فقد أصبح هذا خيارًا قابلًا للتطبيق مرة أخرى. ومع ذلك، وإخلاء للمسؤولية هنا، فهذا الخيار ليس موجهًا للجميع.
وفي الماضي، رأينا مثالًا على ذلك مع الطاهي الشهير أكمل أنور، الذي من الواضح أن مطاعمه الفاخرة ليست معدة ليتم تناول العشاء خارجها. ولكن على الأرجح، كونك لست طاهياً مشهورًا أو مؤثرًا، فإن رهانك التالي سيكون أن تجرب ابتكار بمفهوم تناول الطعام داخل المطعم (dining concept). وخير مثال على ذلك هي القرية الأيرلندية بدبي، التي تستلهم مفهومها (الخاص بتقديم الطعام) من شوارع أيرلندا ومطاعمها ومقاهيها. بالتالي، فليس توصيل الطعام أول ما قد يتبادر إلى الذهن عندما تفكر في سلسلة شركات المأكولات والمشروبات التي تركز على تقديم تجربة فريدة لتناول الطعام داخل المطعم قبل كل شيء. وإذا كنت قادرًا على ابتكار مفهوم فريد لا ينسى لتناول الطعام لعلامتك التجارية الجديدة للأطعمة والمشروبات، فقد لا تحتاج إلى عناء توصيل الطعام في المقام الأول، وبدلًا من ذلك سيأتي الزبائن إليك.
وبالحديث عن الزبائن الذين يأتون إليك، فإنك إذا كنت تستثمر في مفهوم شاحنة الطعام، يمكنك عكس ذلك في الاتجاه الآخر، أي إحضار مطعمك إلى عملائك. ويعد
نموذج العمل هذا واحدًا من أكثر النماذج المعقولة من ناحية السعر، وقد رأينا ظهور العديد من العلامات التجارية الجديدة المثيرة للاهتمام كمفهوم شاحنة الطعام.
وفي النهاية، تعتبر تطبيقات توصيل الأطعمة الدعامة الأساسية لهذه الصناعة. وليس من الحكمة التخلي عنها تمامًا، حيث لا زالت تلعب دورًا في نموذج عملك كعلامة تجارية للأطعمة والمشروبات. ومع ذلك، فالأمر متروك إليك لاستكشاف قنوات التوزيع المباشر، سواء أكان هذا جهدًا من طرف المطعم نفسه أو من خلال الطلبات عبر منصات الإنترنت الخالية من العمولات مثل Chatfood أو ChowNow. أما بالنسبة لقلة قليلة من المطاعم ذات الأفكار الفريدة من نوعها، فقد يمكن تجاهل والاستغناء عن التوصيل تمامًا.