بلغ متوسط تضخم أسعار الاستهلاك في عام 2022 داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نحو 6.3%، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج وإحداث ضغط على هامش الربح. كما ستعاني العمليات التجارية من ضغوطات كبيرة نتيجة المشكلات القائمة في سلاسل التوريد وعدم توفّرها بصورة كافية. كما شهد العامليين الماضيين ارتفاع تكاليف حمولة الشاحنات وما دون حمولة الشاحنات، وتكاليف النقل المتخصّص، وذلك فضلًا عن استمرار النقص في اليد العاملة على نطاق واسع.
نظرًا لتزايد الضغط الناجم عن هذه العوامل مجتمعة على هوامش الربح، فإن كلًا من المصنعين وتجار التجزئة يكافحون باستماتة من أجل تقديم قيمة للمستهلكين. وتتطلب هذه الاضطرابات الجارفة على مستوى الاقتصاد الكلي استجابة شاملة وتفاعلية من شركات المنتجات الاستهلاكية على مستوى عدة ركائز تتضمن مرونة سلسلة التوريد، والإنتاجية التشغيلية، ووضع برامج التصميم الذي يقابل القيمة، وإدارة نمو الإيرادات.
يسهم نموذج إدارة نمو الإيرادات في تقديم القيمة بصورة أسرع، حيث تحتاج شركات المنتجات الاستهلاكية في ظل هذه الظروف إلى وضع استراتيجيات إدارة نمو الإيرادات الشاملة على نحو استباقي من أجل زيادة معدل الربح الإجمالي. فالشركات التي تتبع هذه المنهجية ستخرج أقوى من مغبة هذه الأزمة وستحقق هوامش ربح أعلى، وعلاقات استراتيجية أوثق مع تجار التجزئة، وستقدم سلعة تنطوي على قيمة أوضح للمستهلك، ومكانة أعلى فيما يتعلق بإجراءات إدارة نمو الإيرادات.
عامل إدارة نمو الإيرادات
أقدمت معظم شركات المنتجات الاستهلاكية على رفع الأسعار خلال موجات التضخم الأولى لتعويض ارتفاع تكاليف مدخلات الإنتاج، حيث عقدت الأمل على سرعة العودة إلى الوضع الطبيعي أو حتى القدرة على تغطية الضغوط الإضافية من خلال احتواء التكاليف. وقد وجدت العديد من الشركات أن معدلات زياداتها الأولية لم تكن كافية، مع استمرار ارتفاع التضخم خلال العام الماضي. وهو ما دفع بعضها لإجراء تعديلات في لائحة الأسعار، لتغطية هامش النفقات الإضافية.
ومن جهة أخرى، ضربت السوق حالة من الاضطراب خلال الفترة الماضية رافقها تغيير في القواعد لدى العديد من الفئات المجتمعية. فقد أسهمت أزمة كوفيد -19 في تغيير عادات الاستهلاك وأنماطه، وما أحدث تحولًا في عروض المنتجات. واستمرت بعض هذه التغييرات في بسط مفعولها، مع تراجع مفعول البعض الآخر، ما زاد من وطأة الصعوبات التي تواجهها شركات المنتجات الاستهلاكية وتجار التجزئة في أثناء محاولتهم تلبية احتياجات المستهلكين.
ويتوجب على شركات المنتجات الاستهلاكية أن تسرع في الوقت الحالي نحو بناء استراتيجيات محكمة ومرنة يمكنها تحمل التضخم المستمر وضغوط العرض. وفي ظل حالة عدم اليقين تجاه انتهاء الأزمة الحالية، فقد أصبحت العوامل المرجحة لخلق قيمة فعلية متمثلة في البرامج التي تتناول المجموعة الكاملة لعناصر منهجية إدارة نمو الإيرادات، بما يشمل الأسعار والتشكيلات وهيكل حزمة الأسعار والعروض الترويجية وشروط التجارة.
أربع خطوات رئيسية لبناء نهج مستدام لإدارة نمو الإيرادات
ستنجح الشركات التي تغتنم الفرصة الحالية وتسارع بتطبيق إجراءات جريئة وحاسمة للتعامل مع الضغوط على المدى القريب، دون إغفال بناء استراتيجيات مدروسة على المديين المتوسط والطويل. وستستمر هذه الشركات في الاستفادة من نماذجها التشغيلية دون العودة إلى الخطط التقليدية في تغيير أسعار الخطوط وإعادة تشغيل البرامج السابقة. وسيتخذ رواد هذا المجال أربع خطوات لتسخير مجموعة أدوات إدارة نمو الإيرادات الكاملة، وإطلاق العنان للقيمة لكل من عملاء التجزئة والمستهلكين.
أولاً: تقييم المحفظة الإجمالية وتحديد نطاق الأسعار
سيعمل رواد قطاع الصناعة على تحسين أسعار المحفظة في أثناء فترة الاضطرابات في السوق، إذ تعتبر فرصةً لاتخاذ إجراءات لتصحيح مسار العمليات، وقد يكون تنفيذها أصعب في ظل الظروف الطبيعية.
ويمكن للشركات البدء بإعادة تقييم المحفظة بالكامل والفجوات السعرية بالمقارنة مع المنافسين ومنتجات العلامات التجارية. ومن خلال فهم التحولات في سلوك المستهلك، يمكنها رسم ملامح منحنى حافز السعر بشكل صحيح. كما يسهم استخدام تغييرات الأسعار في تحويل مجموعة منتجاتها إلى عروض فعالة تحقق هامش ربح أعلى. وتدرك الشركات الرائدة العتبات الرئيسية للأسعار، وتغتنم الفرصة لكسر ثبات الأسعار، مع ترك مساحة لارتفاع الأسعار في المستقبل.
ثانياً: إعادة تعيين الاستثمارات الترويجية
تستأنف الشركات الرائدة عمليات الترويج بعد أزمة كوفيد -19، جنبًا إلى جنب مع التوقف بشكل مؤقت لإعادة تقييم استراتيجياتها الترويجية. كما أنها بصدد إعادة التفكير في وضع منهجية مدروسة لكيفية توسيع نطاق الفئات، وإرساء قواعد لتحقيق الربح للجانبين، ما يزيد من القيمة المتحقّقة بالنسبة لها وبالنسبة لتجار التجزئة والمستهلكين على حد سواء.
وفي سياق متصل، فشِل نحو 80% من الاستثمارات الترويجية في الإسهام في تحقيق نمو الفئات. ولتجنب العوائق الشائعة، يمكن لأفرقة القيادة البدء بطرح عدة أسئلة تتعلق بما يلي: دور الترويج ضمن الفئة في زيادة انتشار المنتج لدى الأسر المعيشية واستهلاكه بشكل متزايد، أو الفوز بحصة في السوق، وما إذا كان هذا الدور ليصبح مختلفًا حال وجوده في بيئة تنطوي على تضخم في الأسعار؟ وإذا كانت الإجابة نعم، فما الكيفية؟
وبمجرد تحديد دور العروض الترويجية، سيكونون بحاجة إلى بناء فهم عميق لأداء الترويج، بما يشمل جمع البيانات الدقيقة حول عائد الاستثمار ولا يقتصر على قياس الزيادات في حجم المبيعات. تتخذ الشركات المصنفة بتقييم مرتفع ضمن فئتها وجهة نظر غير مقيدة، وتضع في الاعتبار قيود العملاء والعرض بجدية للحد من الأنشطة الترويجية منخفضة العائد على الاستثمار.
ثالثاً: إعادة تحديد إجمالي استثمارات العملاء
تعمل الشركات البارزة في القطاع على إعادة تأسيس استثمارات العملاء بالكامل، والتي تتضمن العروض الترويجية للمستهلكين، وبرامج كفاءة التنفيذ، ووسائط البيع بالتجزئة، والأصول في المتجر، وتغطية نفقات مندوبي المبيعات، وجمع البيانات.
تحدّد هذه الشركات البرامج المناسبة لاستقطاب العملاء عبر الإنترنت وفي المتاجر، وتنتهج مبدأ تشجيع الابتكار، ورفع أهمية التنشيط النوعي. كما تعمل شركات المنتجات الاستهلاكية الرائدة على معالجة جوانب التقصير، وخفض تكلفة الخدمة على مستوى النظام، وتخصيص الاستثمارات للمناطق الأعلى قيمة. وعملت الشركات على تطبيق هذه المنهجية باتباع ثلاث خطوات، وهي:
- تحليل التكاليف لكل قناة وكل عميل على حدة في كل خطوة على منحنى القيمة، وذلك بهدف عزل القنوات وتجار التجزئة الذين يطلبون منتجات عالية التكلفة.
- تحديد حجم القيمة الإجمالية بشكل عملي مدروس وتحديد أفضل الشراكات ضمن فئة المنتج، من خلال تحديد أنماط طلب متاجر التجزئة وممارسات إدارة المخزون، التي تؤدي إلى تسجيل أقل التكاليف للشركة وشركائها.
- تقديم المكافآت لتجار التجزئة نظير السلوكيات الصحيحة، وذلك بتقديم الحوافز المناسبة ومنحهم القدرة على لتأسيس شراكات فعالة ومربحة للجانبين.
وأخيرًا، وفي ظل عكوف الشركات على إعادة تخطيط استثماراتها، فإنها ستحتاج إلى دراسة إعادة التوازن بين العملاء ونماذج الوفاء، وذلك من أجل تسخير إمكاناتها المادية لتحقيق النمو في المستقبل.
رابعاً: توظيف العوامل الحالية والاستفادة منها، والتخطيط للمستقبل
تعمل شركات السلع الاستهلاكية المصنفة بتقييم مرتفع ضمن فئتها في الوقت الراهن على اغتنام الفرصة المتاحة إلى جانب بناء القدرات والاستراتيجيات المناسبة للمستقبل، حيث يتطلب وضع برنامج إدارة نمو الإيرادات رؤية بعيدة المدى. ويترافق كل إجراء يتخذونه اليوم، مع جملة من الإجراءات التي سيجري تطبيقها في المرحلة التالية، بهدف ضمان المرونة في المستقبل.
ويعد وضع نهج محكم أمرًا بالغ الأهمية، إذ يتيج للشركات إمكانية رسم خارطة طريق متكاملة الملامح في إدارة نمو الإيرادات مدتها سنتان إلى ثلاث سنوات لكل قناة وعميل. كما يمكنها الاستثمار في الإمكانات التحليلية اللازمة لاستخلاص رؤى أكثر دقة في مجالات فعالة تتضمن عائد الاستثمار للعروض الترويجية، والتكلفة الإجمالية للخدمة. كما أن الشركات التي تبذل أقصى ما لديها ستستفيد من المزيد من النقاشات المتكررة والتخطيط المشترك مع بائعي التجزئة الرئيسيين. ويعد تحديد الأسعار الأداة الأكثر أهمية لمواجهة تحديات شركات المنتجات الاستهلاكية على المدى القريب. ولن تكون زيادات أسعار القائمة الناجمة عن التضخم كافية للتغلب على الاضطرابات الحالية؛ لذا تعمل الشركات الرائدة على تحديد استراتيجيات إدارة نمو الإيرادات في الوقت الراهن، ما يؤدي إلى ازدياد هامش النمو والربح لهم ولشركائهم في قطاع التجزئة.