في عام 2022، أصبح من الممكن مراسلة صديق لجدولة لقاء، أو الحجز في مطعم أو لمشاهدة فيلم، وطلب رحلة، كل ذلك من داخل تطبيق واحد، يتيح لك أيضًا سداد مقابل كل معاملة قـد تقوم بها خلال هذه الجولة.
هـذا هو الواقع الذي جعلته التطبيقات الفائقة ممكنًا، حيث اجتاحت تلك التطبيقات قارة آسيا مثل العاصفة. كـما رأينا نموذج العمل هذا يشـق طريقه، ببطء ولكن بثبات، إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث يتدخل اللاعبون الكبار والصغار لتسهيل حياة المستخدمين.
بزوغ فجر التطبيقات الفائقة
عندما أطلقت شركة أبل متجر تطبيقاتها في عام 2008، تم غمر المستخدمين في بحر من التطبيقات الجديدة التي تخدم العديد من الأغراض. ونظرًا لأننا اعتدنا أكثر - على مر السنين - على الاعتماد على التطبيقات في العمل واللعب وكل ما بينهما من أشياء، فقد توسع نطاق الخدمات التي تقدمها هذه البرامج بما يشبه فقط زيادة اعتمادنا على هواتفنا الذكية في المهام اليومية بدرجة كبيرة الى الحد الذي أصبح معه من الصعب التنقل بين عشرات التطبيقات أو نحو ذلك لتستمر طوال اليوم.
وهنا يدخل التطبيق الفائق، وهو تطبيق عنقودي يجمع وظائف متعددة يمكن تنفيذها ضمن تطبيق واحد، مما يبسط بشكل أساسي تجربة المستخدم لإنجاز المهام على هواتفنا الذكية. ويصبح الأمر أكثر إغراء عندما يدرك المستخدم أنه لن يضطر إلى العبث بنماذج الاشتراك وعمليات التسجيل الأخرى، نظرًا لأن بياناته الشخصية غالبًا ما يتم حفظها بالفعل على هذه التطبيقات من أجل الأغراض الأصلية التي يرمي إليها.
وعلى سبيل المثال، فمن السهل جدًا الاستفادة من أي من خدمات التطبيقات الفائقة لشركة Careem، نظرًا لأن مستخدمي التطبيق قـد سجلوا بالفعل للحصول على تلك الخدمات في المقام الأول. وهذا الانتقال الطبيعي من خدمة واحدة إلى خدمات متعددة هو جزء من جاذبية التطبيق الفائق.
ومما لا شك فيه أن أكثر من يجسد موضوع التطبيقات الفائقة هي شركة WeChat، وهي منصة صينية بدأت مشوارها في عام 2011 كتطبيق للمراسلة ومشاركة الصور، فقط لتوسيع وتقديم ميزات جديدة على مر السنين مثل المدفوعات والتجارة الإلكترونية والألعاب والحجز والترجمة وقوائم العقارات وغير ذلك الكثير. والأرقام أيضًا لا تكـذب: فقد كان لـدى شركة WeChat أكثر من 1.2 مليار مستخدم نشط وحققت إيرادات تزيد عن 16.5 مليار دولار في عام 2020. حيث تعد التطبيق رقم واحد في الصين حتى يومنا هـذا، وهي حقيقة لم تغب عن بال رواد الأعمال والمستثمرين الإقليميين.
عملاء مصطفون في مستشفى منطقة مينهانج المركزي في شنغهاي في منطقة التسجيل والدفع الذاتي، حيث يتم قبول WeChat و Alipay.
ضع في اعتبارك أيضًا أن التطبيقات الفائقة توفر للشركات تدفقات متعددة من الإيرادات ناتجة عن مجموعة متنوعة من المجالات مثل (الترفيه، والضيافة، والنقل، والخدمات المصرفية، وما إلى ذلك)، بدلًا من مجال واحد فقط. وبالنظر إلى التأثير المدمر للوباء على قطاعات معينة أكثر من غيرها، فمن المنطقي تفهم سبب قيام الشركات بتوزيع مخاطرها بهذه الطريقة، خاصة وأنه غالبًا ما يكون لديها بالفعل بيانات المستخدمين والبنية التحتية اللازمة لتوزيع تلك المخاطر.
هل يعتبر سوق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا جاهزًا للتطبيقات الفائقة؟
مع وضع هـذا الأمر في الاعتبار، يبدأ منطقيًا التساؤل حول أسباب هرولة الجميع إلى عربة التطبيقات الفائقة.
لكن حيث أن نسبة الوصول إلى الإنترنت من خلال استخدام الهواتف الذكية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا هي فقط 60%، وهي أصغر نسبة وصول من نوعها في العالم مقارنة بالمناطق الأخرى، فقد شك في نجاح التطبيقات الفائقة في هذه المنطقة تحديدًا. وبعـد كل شيء، فعلى الرغم من انتشار الهواتف الذكية بشكل كبير، إلا أن المستهلكين في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كانوا تاريخيًا لا يثقون في المدفوعات التي تتم عبر الإنترنت، واختاروا السداد باستخدام النقود في معظم معاملات التجارة الإلكترونية. إذن، كيف يمكنك إقناعهم باستخدام خدمات التطبيقات الفائقة وإجراء المعاملات عبر الإنترنت؟
لحسن حظ التطبيقات والبائعين عبر الإنترنت، فقد أدى انتشار جائحة كوفيد 19 والطلبات من المنازل والتي ظلت سارية طوال معظم عام 2020 إلى تغيير سلوك المستهلكين إلى الأبد داخل المنطقة. حيث تحسنت الثقة في إجراءات السداد عبر الإنترنت، وكذلك التبني، حيث من المتوقع أن تظل هذه الاتجاهات دائمة. وقد ارتأت شركة Careem، بعد كل ما حدث، أنه من المناسب إطلاق تطبيقها الفائق في ذروة الوباء خلال يونيو 2020، ومنذ ذلك الحين أبلغت الشركة عن نمو وطلبات مذهلة على خدماتها المضافة حديثًا.
التطبيقات الفائقة الناشئة في الإقليم
منشور ترويجي من شركة Careem على وسائل التواصل الاجتماعي لتطبيقها المتميز في عام 2020
تعتبر Careem اليوم في مقدمة التطبيقات الفائقة، حيث تقوم بتقديم كل شيء، من المدفوعات والمحافظ الرقمية، إلى خدمات توصيل الطعام والتنظيف، فضلًا عن تأجير السيارات. بينما يتم التعامل مع بعض الخدمات مثل توصيل الطعام داخليًا من قبل موظفي الشركة، وقد تم توفير خدمات أخرى مثل خدمات التنظيف وتأجير السيارات بالتعاون مع جهات خارجية مثل: JustLife (والتي كانت تعرف سابقًا بــJustMop) وSwap، على التوالي.
وبعيدًا عن اللاعبين الكبار مثل Careem وUber وNoon، فقد بـدأ منافسون جدد في الظهور بأسلوبهم الخاص في هذا السياق. فقد أخبرنا رائد الأعمال جايديب دانوا أن مشروعه الأخير، المتمثل في شركة فينيكس الناشئة للنقل الكهربائي، تم تأسيسه بهدف أن يصبح تطبيقًا رائعًا منذ اليوم الأول. وبعد ما يقرب من عامين من إطلاقها، نمت الشركة التي يقع مقرها بأبوظبي وتقوم بتوفير خدمات الدفع وتوصيل مواد البقالة، حيث أعلنت مؤخرًا عن ميزة المتسوق الشخصي. وقد أوضح دانوا أن النقل الكهربائي هو منصة الإطلاق التي يتم استخدامها لمساعدة الناس على تبني منصتهم، في الوقت الذي يستمر إضافة المزيد من الخدمات.
متخلية عن النهج المتدرج، فقد انطلق تطبيق Tawasal الفائق بضربة واحدة منذ اليوم الأول. ومع بدء العمليات الشهر الماضي، تقوم الشركة الناشئة عن كثب بمحاكاة نموذج WeChat، حيث انطلقت بعدد كبير من الخدمات على غرار ما تقدمه الشركة الصينية العملاقة.
وفي مصر، تركز MNT-Halan، وهي في الأصل شركة ناشئة لخدمات تأجير السيارات، جهودها في مجال التطبيقات الفائقة على الخدمات المالية ومشتملاتها. وفي واقع الأمر، فإن هذا الموضوع مشترك بين معظم الشركات المماثلة. ونظرًا للنسبة العالية من الأفراد غير المتعاملين مع البنوك والموجودين حاليًا في المنطقة، والحجم المنخفض نسبيًا للمعاملات عبر الإنترنت، تركز معظم التطبيقات الفائقة الناشئة حديثًا جهودها الأولية للتوسع على تشجيع التمويل عبر الإنترنت لتمكين جيل جديد من المستهلكين.
وقد أبرزت دراسة أجرتها مؤخرًا شركة Mastercard أن "التطبيقات الفائقة تمكن الأشخاص الذين لم يتعاملوا مع البنوك في السابق من إجراء معاملات مالية وأن يصبحوا جزءًا من نظام بيئي مالي أوسع".
حيث يمكن لخدمات الدفع بعد ذلك أن تكون بمثابة بوابة لبقية خدمات التطبيقات الفائقة.
التحديات التي تواجه التطبيقات الفائقة...
على الرغم مما شهدته التطبيقات الفائقة من نجاح هائل في مناطق متجانسة نسبيًا (من حيث الاقتصاد) مثل الصين والهند وفيتنام، فلا يمكن قول الشيء نفسه عن منطقة متنوعة مثل الشرق الأوسط وأفريقيا.
حيث أشارت دراسة MasterCard إلى أن "منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا تتكون من أكثر من 60 دولة بها أكثر من 1000 لغة، كما أن فيها بيئات اقتصادية وسياسية وثقافية متباينة". وعلى الرغم من أن الاتحاد الأفريقي ومجلس التعاون الخليجي يعززان تنسيق السياسات الصناعية والبيانات، بالنسبة للتطبيقات الفائقة التي يسعىان إلى زيادة انتشارها، فإن التجزئة الحالية تمثل عبئًا تشغيليًا وقانونيًا وماليًا كبيرًا."
كما يسلط التقرير الضوء على دور الحكومات. فباعتبارها أكبر من يقوم بالإنفاق في المنطقة، ستكون اختيارات الحكومة بشأن الاتجاه الذي يجب أن توجه إليه السياسات الصناعية والبيانات أساسية. وبخلاف السياسات الفردية لكل حكومة على حدة، من المتوقع أن يكون تنسيق السياسات عبر المنطقة هو الخيار الاستراتيجي الأساسي الذي سيحدد مستقبل التطبيقات الفائقة.
وقد أشار التقرير إلى أن أحد أسباب عدم نجاح التطبيقات الفائقة في بلـد مثل الولايات المتحدة يرجع إلى طبيعة اقتصادها الذي يقـوده السوق، حيث تسببت الشركات الخاصة شديدة التنافسية والقوانين الصارمة لمكافحة الاحتكار وحماية البيانات في اختلاف النظام البيئي، مما لم يؤدي معه ذلك الى ظهور التطبيقات الفائقة المهيمنة.
وفي الصين، يتم حظر تطبيقات مثل WhatsApp وTwitter، مما يعني أن الشركة التي لديها نموذج أعمال قوي للتطبيقات الفائقة مثل WeChat، يمكن أن تأتي لملء فجوة السوق التي يتركها غياب التطبيقات المذكورة. كما أن التنمية الاقتصادية التي تقودها الدولة في الصين تخلق أيضًا مشهدًا مختلفًا تمامًا للأعمال والابتكار والنجاح.
…والفرصة الحالية
هل يمكن أن تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وضعًا مشابهًا للولايات المتحدة؟
إن ذلك ممكن، لكنه ليس مرجحًا. أولًا، المنافسة هنا شرسة بالتأكيد، إلا أن مشهد الأعمال الحالي هنا مختلف تمامًا. حيث اتبعت الحكومات الإقليمية نهجًا استباقيًا لرعاية النظام البيئي للأعمال، وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، على أمل إنشاء اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار. وهذا يعني أن الأرضية مفتوحة لأي شركة، كبيرة كانت أم صغيرة، لتقديم تطبيقات متميزة تلبي احتياجات المستخدمين.
وثانيًا، فيما يتعلق بالتهديد الذي يمثله عمالقة التكنولوجيا الأمريكيون مثل Meta أو Google والذين يخنقون أية شركة إقليمية ناشئة، فقد أثبتت ملحمة Careem-Uber أن رأس المال الهائل والموارد اللانهائية ليست عوامل كافية للنجاح هنا. فــCareem، باعتباره تطبيقًا محليًا لطلب سيارات الأجرة، كان قادرًا على التنافس مع نظيره الغربي الذي بلغت قيمته مليارات الدولارات والتغلب عليه، لدرجة أنه تم الاستحواذ عليها في النهاية من قبل المنافس المذكور.
وقد كان هـذا ممكنًا لأن Careem فهمت ثقافة واتجاهات الركاب الإقليميين، حيث قامت بتكييف خدماتها لتلبية احتياجاتهم. وعلى سبيل المثال، ركزت Careem على استعدادها لقبول الأوراق النقدية كأثمان لمشاوير الركاب، في وقت كانت شركة أوبر تعتمد فيه بشكل أكبر على معاملات البطاقات، مما أدى إلى نفور مستخدمي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
واليوم، تكمن أعظم فرصة لنجاح التطبيقات الفائقة في الشركة التي تتفهم خصوصيات المنطقة، كما أظهرت ذلك شركة Careem ذات مرة. بالإبحار من خلال تطبيق فائق شامل عبر بوتقة تنصهر فيها مختلف الثقافات واللغات والتوقعات، كمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ليس بالأمر السهل، لكنه مع ذلك ممكن.
قال والتر باسكاريلي، مدير الأبحاث، التكنولوجيا والمجتمع، في الإيكونوميست إمباكت، معلقًا على تقرير ماستركارد: "يعتبر تطوير التطبيقات الفائقة ومسارها المستقبلي متعلقًا بسياق الموقع الجغرافي والمكان الذي تتطور فيه". و"إن بعض القطاعات الناضجة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا التي يمكنها إيجاد لاعبين يمكن لهم أن يصبحوا تطبيقات فائقة تكمن في التأمين في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي، وفي سوق السيارات المستعملة، وفي وسطاء العقارات عبر الإنترنت في الإمارات العربية المتحدة، وفي التحويلات الرقمية جنوب الصحراء الكبرى عبر أفريقيا."
وتتصدر شركة Careem حتى الآن زمام القيادة في دول مجلس التعاون الخليجي على الأقل. فنظرًا لما تتمتع به من قاعدة بيانات حالية هائلة للمستخدمين، ومعرفة الناس بالتطبيق الخاص بها، فإن شركة التكنولوجيا المذكورة في وضع جيد للاستفادة من هيمنتها لتصبح في طريقها لتكون التطبيق الفائق في المنطقة.
ومع ذلك، فهناك الكثير من المنافسة للتغلب عليها، وسيكون من المثير للاهتمام متابعة من سيكون الوصيف في هذا السباق نحو الانتشار في كل مكان.